جريمة الانتقاص من الآخرين

اعلان 780-90

جريمة الانتقاص من الآخرين


ستجد في الكتب ووسائل الإعلام المختلفة أفواه تتكلم وأقلام تكتب عن عيوب الشعوب والأشخاص وتنتقص منهم بشتى المواضيع، وأكثرها انتشارًا هي انتقاص طرق التعبد في الديانات بشكل عام، وبين طوائف ومذاهب المسلمين بشكل خاص، وهذا الانتقاد اللاذع يتم توجيهه من أشخاص يدّعون الفضيلة والكمال، ولكنه في مرحلة من مراحله يتحول إلى جريمة، حيث يستهدف عيوبًا في معتقد ما غاضًا النظر عن إيجابيات كثيرة أخرى في نفس المعتقد، ولو سلط عليها الضوء لكانت أفضل بكثير لتقوية البنية الاجتماعية للمسلمين.

من له حق الانتقاد؟

فاقد الشيء لا يعطيه، وهذه النتيجة والخلاصة، ولا يمكن قبول النقد من شخص يمتلك في عقيدته الخاصة عيوب، هذا الانتقاد الممزوج بالتشهير والتحقير تتكون نتيجته ردود أفعال تتوجه مباشرةً إلى إظهار عيوب الآخرين في الطرف الثاني، بينما الفضائل تندثر وتنسى وتهمل ويبقى الشغل الشاغل للشخص هو فقط انتظار الفرصة لإنزال مخالفيه إلى الحضيض، وهذه الوسيلة تحولت بشكل طبيعي إلى أداة رخيصة متداولة بين الجميع وتستخدم في حياتنا اليومية، ولعل هناك من لا يجد عيوبًا عند خصومه لكشفها أمام الآخرين، لهذا يلجأ إلى الافتراء والكذب وخداع الناس التي تثق بكلامه، وفي حقيقة الأمر ليس لأي شخص أن يتجرأ ويكشف العيوب إلا أن يكون شخصًا محصنًا من الأخطاء وانتقاداته تهدف إلى الإصلاح وليست مبنية على أساس الكره والضغينة.

هل تكلمتم مع الزوج وزوجته قبيل الطلاق وبعد الطلاق؟ ماذا تعتبرون الزوج السابق الذي يشهر بعيوب زوجته السابقة والتي انتهت عدة طلاقها منه وهي على ذمة رجل آخر؟ هذا التشهير وكشف العيوب وإن كانت صحيحة وواقعية، ولكنه تصرف ليس من الإسلام في شيء، حيث يصدر عن غلٍ وكرهٍ، ولكنه يسوقه للناس بعبارات الإسلام والأدلة الشرعية، كأن يقول: (طلقتها لأنها لا تهتم بنظافتها الشخصية) أو (طلقتها لأنها كثيرة الشعر وأشبه بالقرد)، حيث حجته بأن: (تنظفوا فإن الإسلام نظيف) وهي واقعًا قد خالفت السنة النبوية الشريفة، فإذا واجهته بقوة وألقمته حجرًا في عدم مقبولية التشهير بها لهذا السبب وحاولت تحميله جزءًا من الخطأ والمسؤولية، فإنه سيتحول من الحجج الواقعية إلى حجج وهمية تزيد من سوء الاتهامات الموجهة لها، ومع قلة الوعي وغياب القانون وانتشار العرف الفاسد في المجتمع، فإنك ستجد نفسك مكتوف الأيدي أمامه، وخاصة أن انتقل إلى الاتهامات التي تمس الشرف، كأن يقول: لا تجبرني على أن أصرح عن أمور كبيرة، أتريدني أن أخبرك أنها كانت تتحرش بأخي الصغير… وعندما ترجع إلى الواقع تجد أن بينها وبين أخيه الصغير ما يزيد عن الـ20 عامًا، ولعلها تتودد إليه باعتباره ابنها أو أخاها، ولكن هذا التودد أن أريد له أن يترجم على أنه رحمة فتجد قليلًا من الأزواج من يتكلم عنه ويعلنه للملأ، أما حينما يشتد الخلاف فهنا تبدأ مرحلة التشهير والانتقاد لجلب الأنظار إلى مصداقية ومظلومية المتكلم، والنيل من الخصم بأقسى الوسائل الممكنة من خلال تحوير الأفعال وحسب الهوى والمزاج.

أحوال طوائف المسلمين

من أي طائفة كنت فأنت أعرف بعيوب مخالفيك أكثر من فضائلهم بلا شك، فهؤلاء مثلًا يعبدون أشخاصًا أو حجرًا من دون الله تعالى، بينما هؤلاء فانهم يصورون الله بأنه على شكل ولدٍ شابٍ، وعلى هذا المبنى تكون هذه الطائفة كافرة وهذه الطائفة كافرة أيضًا، والسلسلة طويلة جدًا بإظهار الكفر والشرك والانحراف في العقيدة.

وما يزيد الأحزان، أن نفس الشخص من نفس الطائفة لا يعرف عيوب طائفته ومذهبه إلا من الطرف المخالف له، والأكثر حزنًا أن كل طائفة تدافع عن عيوبها ومستمرة بالتشهير بعيوب الآخرين، حيث الأولى أن على كل شخص معرفة عيوبه ومعالجتها بنفسه ومن ثم التوجه إلى عيوب غيره، لا أن يلتهي بعيوب الناس وينسى ويتناسى عيوبه، كأبٍ ينتقد سوء أخلاق ابن جاره بينما ابنه محكوم عليه بالسجن لمتاجرته بالمخدرات، أو كما يقال «إن كان بيتك من زجاج فلا ترمِ الناس بالحجر»، ولعل الله أوضح لنا هذه المسألة بآية مباركة وصريحة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) المائدة (105)، وهو ما يجب أن نكون عليه، «عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ» علينا أن نعالج أنفسنا ومن ثم التوجه إلى معالجة الآخرين، ولا تظن بأن من يشهّر بعيوب الآخرين هو مصلح، أو مدافع عن الإسلام والدين، بل هو واهم ويسلك دربًا شتت به المسلمين وفرقهم وزاد البغضاء فيما بينهم.

لكل منا عيوبه ولكن نستطيع معالجتها بالنقد السطحي من غير تسمية، فموعظة لقمان لابنه التي وردت في القرآن، هي توجيه واضح وانتقاد عام لتصرف سيء، فليس من الضروري إسقاط المحظورات التي منع فيها لقمان ابنه من فعلها على أحد بالاسم أو الصفة، فمشكلتنا اليوم هي تحويل آيات القرآن إلى سكاكين نقطع بها جسد الأمة المؤمنة بالله ربًا وبمحمد نبيًا.

أي المنتقدين يستحق الاحترام؟

أنا أحترم الشخص الواقعي الذي ينتقد نفسه ويحاول علاج واقعه، ولا يلتفت إلى عيوب غيره ولكنه يحاول عدم الوقوع في حفيرة ارتكابها، شخص يسخّر قدراته من أجل هدف شريف، يحاول من خلاله ترقيع الفتق الكبير في هذه الأمة، يجمع أطراف ثيابه ويخيطها مع بعضها بخيط الساتر للعيوب والمعالج لها، غير آبه لعيوب غيره لانشغاله بنفسه، أما الشخص الآخر الذي يحاول الالتفاف خلف باقي الأشخاص لكشف عورتهم والتشهير بهم، وهو يكشف عورته لغيره ليصنع من نفسه مسخرة عند المتفرجين الذين يتمتعون بهذا المنظر من التهريج، مثل هذا اعتبره نكرة ولا يستحق أي احترام وتقدير، وأحمّله أمام الله كل قطرة دم سالت وستسيل بسبب كلامه المسموم، وعليه أن يعلم بأنه سيقف غدًا بين يدي الله وسيسأله تعالى عن كل صغيرة وكبيرة، فليحسن حينئذٍ الإجابة.


اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2