العنصرية.. الميراث الثقيل الذي أشعل الفتن والحروب على مر التاريخ

اعلان 780-90

العنصرية.. الميراث الثقيل الذي أشعل الفتن والحروب على مر التاريخ



منذ اول انطلاقة للخليقة، وحينما بثت الروح في جسد آدم عليه السلام، ظهرت أولى بوادر التفرقة والتمييز من خلال مقايسة غير موضوعية قام بها ابليس، فجعل نفسه في الأفضلية على آدم لأنه خلق من نار وآدم من طين، هذه المقايسة الخاطئة انتقلت الى بني آدم، واخذت تتوسع وتأخذ اشكالاً مختلفة يميز بها الافراد انفسهم داخل المجتمع، ومن أوضح هذه الصور هي اختلاف لون البشرة، فذوي البشرة البيضاء كانوا ومازالوا يحاولون استعباد ذوي البشرة السوداء، وان كانت السلطات تحاول ان تحجم هذه الأفكار المتطرفة، الا انهم لم يستطيعوا ذلك، لان الافراد انفسهم يؤمنون بهذه المقايسة التي تجعل منهم اسياداً لغيرهم من ذوي البشرة الداكنة.

لقد ارتبط عند المجتمع ان صاحب البشرة السوداء يطلق عليه (عبد)، مع ان (عبد) لا تعني انه اسمر البشرة ولكن هذا المعنى متوارث بسبب استغلال واستعباد أصحاب هذه البشرة على مر العصور، إخواننا أصحاب البشرة السوداء عانوا كثيراً، لا لذنب سوى انهم يمتلكون لوناً داكناً وملامح وجوههم تختلف عن الاخرين، ولم يكتف المتطرفون والعنصريون عند هذا الحد، بل هم يرون الهنود الاسيويين والهنود الحمر، وبعض القبائل الاسيوية وغيرهم ادنى منهم بالمستوى، وان اجبرتهم الظروف على قبولهم في المجتمع، الا ان بذرة التفرقة موجودة وتنتظر الفرصة المناسبة ليعبروا عن مكنونهم.

حتى في الإسلام كان هذا التمييز حاضراً وبقوة، وكانت محاولات النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم ان يحجم هذه النزعة العنصرية، مؤكداً ان كلنا من آدم وآدم من تراب، ولا فرق لعربي على أعجمي الا بالتقوى، فاللون واللهجة والشكل والقومية والعشيرة والتحصيل العلمي والمال لا تعطي الافراد الحق بالتميز بها على غيرهم بما يهدر بذلك كرامتهم، وبطريقة تزدري الاخرين وتعتبرهم بالمقام الأدنى، وهذا ما أشار اليه الامام علي عليه السلام في احدى رسائله لولاته، وهو يوصيه بان الناس صنفان اما اخ في الدين او نضير في الخلق، كل هذه المحاولات ارادت من المسلمين ان يعتمدوا هذا المنهاج ليبتعدوا عن هاوية التفرقة والتمييز العرقي والقومي والقبلي وغيرها.

تعدى التمييز بين الافراد مرحلة اللون والانتساب والشكل واللغة وغيرها، ووصل الى مراحل الانتماء الديني والتفرقة الطائفية، كانت نواتها الأولى بين معسكرين، احدهما الموحدين والأخر الكفار والمشركين والمعاندين، لكن انتقلت هذه العدوى الى حصول التفرقة بين أبناء الدين الواحد، كما حصل مع بني إسرائيل، ومن ثم مع النصارى، وبعد ذلك بين المسلمين، هذه الانقسامات التي تأسست بسبب اختلاف الآراء بين كبار علماء تلك المذاهب والطوائف، استخدمها عامة الناس للتمييز والتفريق، حتى وصلت مراحلها الى التحريض ومن ثم الى سفك الدم والتهجير والتنكيل فيما بينهم، وهتكت الحرمات داخل البيت الإسلامي، وسط ادعاءات تمحورت بان الحق معهم لا مع الاخرين.

نفس المقايسة تنتقل من جيل الى اخر، تزيد الأمور تعقيداً، وتنفخ في ابواق الحرب، ومن المؤسف ان اغلب افراد المجتمع قد تربى عليها وتشبع بها، وهو يؤمن بانها طريقه للنجاة، مع انها لم تكن كذلك ابداً، هذه المقايسة الباطلة بقدر ما تنتج مظلومية فإنها تنتج وحشية وردود فعل لا يحمد عقباها، والتاريخ يشهد على ذلك، فالوحشية التي أدت الى فناء قبائل كاملة من الهنود الأحمر في حرب استعمارية كانت نواتها التمييز العرقي، وكيف انتهت الملايين من الأفريقيين بين سجين ومشرد ومقتول، عاشوا وماتوا ولم يعرفوا في حياتهم طعم الاستقرار، وبسبب النظرة المتعالية للنازيين الالمان اندفعوا لخوض الحروب وابادة الشعوب على أساس التمييز العرقي والقومي والديني.

من يرفض ان يكون تحت هذه النظرة من الدونية عليه الا ينظر الى غيره بنفس النظرة، ان كنت ولدت بلون ابيض، فليس ذلك باختيارك، وهو ايضاً ليس من اختيار من ولد باللون الأسود او الأحمر او الأصفر، وان كنت غنياً فلا مسوغ لإذلال الفقراء، وان كنت ولدت عربياً فلا يعني إنك أفضل من الاخرين، وان كنت ولدت مسلماً، فالهندوسي ولد كما ولدت وتعلم من ابويه ومجتمعه كالذي تعلمته من ابويك ومجتمعك، وكما إنك ترى نفسك محقاً، غيرك ايضاً يرى نفسه كذلك، ولكن الأفضلية تتحقق بمقدار ما تعطي للناس، وبمقدار ما يأمن المجتمع من افعالك وافكارك، فترك المقايسة التي اعتمدها ابليس هي أولى خطوات النجاة من شرك الأفكار التمييزية الباطلة.


اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "العنصرية.. الميراث الثقيل الذي أشعل الفتن والحروب على مر التاريخ"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2