محمدٌ واحد.. ولكن لكل طائفة من المسلمين محمدًا مختلفًا

اعلان 780-90

محمدٌ واحد.. ولكن لكل طائفة من المسلمين محمدًا مختلفًا

 


كل المسلمين يتفقون على أن هناك إلهًا واحدًا لا شريك له وهو الله تعالى شأنه، وأن خاتم رسله وأنبياءه هو المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل المسلمين ملتزمون باتباع كتاب الله وسنة نبيه الخاتم، ولكن بعد هذه العقيدة الأساسية يحصل الاختلاف بين المسلمين في تحديد الجزئيات الأخرى، وكل طائفة منهم تعتمد مصدرًا ودليلًا يتقاطع أحيانًا مع مصدر ودليل الآخرين وأحيانًا يتقارب معه، وإلى هذا الحد لا توجد أي مشكلة، فمن المفترض أن يكون المسلم على استعداد للبحث عن الدليل وألا يعتمد على ما تعلمه من أبويه ومجتمعه، وهذا ما يرفضه القرآن أن يتشبث المسلم بما وجد عليه آباذه، بل عليه أن يبحث عن سبب الاختلاف، ودليل كل طائفة على اختلافها مع الأخرى، حتى يصل إلى الاطمئنان لدليل مأخوذ من كلام الله ورسوله.

ما يعيب كثيرًا من طوائف المسلمين هو تشددهم ومنعهم وتخويف أتباعهم من الاطلاع إلى كتب وأدلة الآخرين، بل وصول الأمر بهم إلى تكفير من يخالفهم والتحريض على قتلهم وإبادتهم، وهذا اللون من التفكير الشاذ يدل على أن صاحبه ضعيف الحجة، ولا يمتلك دليلًا قويًا على معتقداته، ولهذا هو يحاول ألا يسمح لمن معه بالاطلاع على أدلة الآخرين، بل زاد البعض في الكذب والافتراء والتحريف لتشويه صورة الطوائف الأخرى.

بسبب هذا التشدد المفرط والانغلاق، وبسبب بناء الأجيال على الكره والضغينة والحقد، جعل طوائف المسلمين يضعون لله ورسوله الصفات التي تخدم مصالحهم الدينية أو السياسية، والتركيز على جزء من القرآن وإهمال الآخر، مما نتج عن ذلك ظهور إله يختلف بين طائفة وأخرى، ولكن اسمه عند الطائفتين هو الله، والنتيجة أيضًا أن لكل طائفة نبيًا يختلف عن الآخر، ولكن كليهما اسمهما محمد، ولعلك ستستغرب ذلك، ولكن تلك هي الحقيقة، وسأحاول الابتعاد عن صفاة الله لما لها من قدسية ولن أخوض في الاختلاف في صفاته تعالى بين طوائف المسلمين، ولكن سأتطرق إلى بعض صفات النبي وكيف هو مختلف بين طائفة وأخرى وبشكل سريع ومختصر.

النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم هو خاتم الرسل والأنبياء، ويحمل للإنسانية أهم وأعظم رسالة تكون حجة عليهم حتى يوم القيامة، ولمّا اصطفاه تعالى لهذه المهمة الكبيرة فقد علم منه العزم والإصرار على إتمامها بالرغم من كل الصعاب والتهديدات، وهذا ما صرحت به الآية المباركة «…قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»، حيث عهد الله لا يناله إلا عباد الله المخلصين.

أولًا: النبي الأكرم يخطأ في أمور الدنيا ومعصوم في أمور التبليغ فقط.

من هنا انقسم المسلمون إلى رأيين أساسيين في نبيهم المصطفى، حيث تميل إحدى الطوائف إلى قبول معنى كون النبي الخاتم معصومًا بما يخص التعاليم الدينية فقط (الوحي والتنزيل)، وهو يقع في الخطأ في باقي الأمور الأخرى مثل آرائه وأوامره في الزراعة، والنجارة، والطب، وغيرها، وينسب إليه مجموعة من الأخطاء على سبيل المثال الخطأ التالي:

عن رافع بن خديج قال: قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُؤبِّرون النخل قال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنفه قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال: إنما أنا بشر مثلكم، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. رواه مسلم (2361). رابط الحديث

ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن النبي قد أفتى من غير علم، وأن رأيه في أمور الدنيا غير ملزم الاتباع، لكونه يخضع للنقاش واحتمالية سقوطه في الخطأ، بالرغم من أن خطأ النبي عند أصحاب هذا الرأي لا يؤثر عليه، ولكنه يعتبر من باب «اجتهد فأخطأ».

أما في تفسير قوله تعالى «عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ. أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ» يقول الطبري في تفسيره نقلًا عن سعيد ابن يحيى الأموي:

حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنا أبي، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عروة، عن عائشة قالت: أنـزلت (عَبَسَ وَتَوَلَّى) في ابن أمّ مكتوم قالت: أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الآخر ويقول: أتَرَى بِما أقُولُهُ بأسًا؟ فيقول: لا ففي هذا أُنـزلت: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) رابط الحديث

ولكن هنا يظهر ان الخطأ الذي فعله النبي الأكرم مع الأعمى إنما هو خطأ أخلاقي ولا علاقة له بأمور الزراعة والاجتهاد في غير أمور الدين، وقد فعل أمرًا لا يقره أصحاب الخلق الرفيع، وهذا ما جعل هذه الآية تنزل عليه لتوبيخه على فعلته هذه، بالرغم من أن الله تعالى لن يحاسبه عليها كونها اجتهادًا خاطئًا، له عليه أجر واحد بدلًا عن الأجرين.

ثانيًا: النبي الأكرم معصوم بالعصمة المطلقة

يرى أصحاب هذا الرأي أن النبي الأكرم وسائر أنبياء الله تعالى ورسله معصومون بالعصمة المطلقة لأنهم خيرة الله تعالى ولا يمكن أن يكون في خليفة الله والداعي إليه قصور، لأن قوله وفعله وتصرفاته ستكون مصدرًا للآخرين، ولا يمكن قبول أن يعلم الأنبياء والرسل أصحابهم ما يقلل من شأنهم، ولا يوجد فرصة لهم في الاجتهاد أو التصرف وفقًا لهوى أو رأي شخصي، بل نصت الآية المباركة أن النبي لا يتكلم من ذاته ولم تحدد أماكن العصمة من غيرها، بل جاءت مطلقة المعنى «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ»، ويذكر ابن كثير في تفسيره حديثًا نقلًا عن الإمام أحمد:

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن الأخنس، أخبرنا الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشر، يتكلم في الغضب. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق. ورواه أبو داود عن مسدد وأبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان، به رابط الحديث

وهذا يعني أن النبي الذي أُمرنا باتباع سنته في قوله تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» ليس محددًا في أمور الدين فقط، بل يتعدى ذلك إلى أمورٍ أخرى كحياته وتصرفاته، فكيف للمسلمين أن يقتدوا برسول الله الخاتم في اتّباع توجيهاته في تنظيم أمور الأسرة والمجتمع والنظافة الشخصية وغيرها من الأمور التي لا علاقة لها بالدين، وهو قد يكون رأيه حينها فيه خطأً، وقد لا يحقق نتائج مرضية وصحيحة؟ وقد يعرض المسلمين إلى السخرية من الآخرين.

هناك من يرى أن النبي كان معصومًا من الوقوع في الخطأ، ولهذا فإن سنته الشريفة متبعة، ودليل مكمل لما جاء في القرآن الكريم، ولكن البعض لا يراه معصومًا من الخطأ، بل هو إنسان كسائر البشر يخطئ ويصيب، قدر تعلق الأمر بحياته الشخصية، إلا فيما ينزل عليه من السماء فإن ذلك محفوظ بحفظ الله تعالى، والبعض يراه صاحب خلق عظيم كما وصفه تعالى، ولكن البعض يراه قد عبس وجهه أمام رجل أعمى، وهذا خلاف الأخلاق المحمودة، والبعض يراه منزهًا عن أفعال الجاهلية، ولكن البعض يراه كان يفعل ما ينتقده على فعله أصحابه، وهناك من يراه رءوفًا رحيمًا، وهناك من يراه متلذذًا بسفك دماء الناس، وهذه إحدى أسباب وجود الهجمات والرسوم والأفلام المسيئة لشخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنت أيها القارئ الكريم ماذا تعتقد في نبيك؟ وهل ترى في اعتقادك نقطة قوة لرسول الله الخاتم أم نقطة ضعف؟

https://www.sasapost.com/opinion/muhammad-is-he-the-one/

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "محمدٌ واحد.. ولكن لكل طائفة من المسلمين محمدًا مختلفًا"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2