المحسن والمسيء

اعلان 780-90

المحسن والمسيء


سنتناول بعض رسالة الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام إلى أحد ولاته وسنتعرف على مضامين هذه الرسالة ومدى تطبيقاتها على المستوى الإداري في منظماتنا الحكومية والقطاع الخاص والمختلط، يقول عليه السلام ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهل الإساءة! وألزم كلًا منهم ما ألزم نفسه [1]

بمنزلة سواء

في تحذير من تعطيل مبدأ الإثابة والعقاب فانه عليه السلام يوجه الوالي المكلف بأن لا يساوي بين المحسن والمسيء بغض النظر عمن هو المحسن وما منزلته الاجتماعية ومن هو المسيء، فالأصل في التمييز هو العمل لا الوجاهة والمال والقوة والسلطة، ولكن هذه الرسالة معطلة في الأغلب الأعم من مؤسسات ومنظمات البلاد الإسلامية الحكومية على وجه التحديد وغيرها من المنظمات الأخرى، فالتمييز والتقدير والاثابة لا تأتي للمحسن دون المسيء، بل يزداد الأمر سوءً حينما يصبح المسيء أفضل من المحسن، وهذه هي الكارثة الكبرى، ففي مساواتهما إبعاد للمحسن عن طريق الاحسان لأنه لا يأتي له بالخير والمنفعة وتشجيع للمسيء في أن يتمادى أكثر فأكثر، فكيف إذا فضلنا المسيء على المحسن وحاربناه في عمله؟

إن أحد أهم الأسباب التي دعت المدراء والمسؤولين في تلك المنظمات إلى تفضيل المسيء على المحسن هو ميولهم الطبيعية إلى من يماثلهم، فلا تجد محسنًا يوالي ويقدم المسيء ويثيبه من غير عمل أو جهد فقط لأنه إما مقرب إليه بصلة أو منتفع منه بمنفعة أو يتحاشاه لأنه قد أمسك بين يديه ما يدينه أو أنه يخشى بطشته وحزبه وعشيرته ولعلها تكون مجتمعة مرة واحدة، وفي كل الأحوال فإن الشخص الذي يسقط فريسة إحدى هذه الأمور ولا يستطيع النفاذ من ضيق قضبان سجنها فإنه ليس من المحسنين في شيء، ولا يمكن أن يحتسب نفسه ممن يداهنون الباطل في سبيل قضية سامية أكبر كما هو روبن هود السارق الشريف، فالتبرير غير المنطقي والتشجيع على الفساد وانتشار المظاهر السيئة وإبعاد أهل الحق ومحاربتهم وظلمهم وشن الحروب عليهم حتى يقعدوا عن الحراك وعن الإحسان حتى تتحول أمنياتهم هي التفكير بطرق الفرار بجلدهم وسط الهرج والمرج الذي تعيشه المنظمات بسبب سوء الإدارة والتي تدعي الولاء والانتماء للإسلام.

قاعدة الإلزام

لكي تكون إداريًا ناجحًا وترتفع في منظمتك إلى معايير الجودة في الأداء عليك أن تستخدم قاعدة الالزام، فالمحسن مثلًا حينما يؤدي واجباته الوظيفية على أتم وجه فإنك ستقدم إليه شكرك وامتنانك وتكافئه على ذلك بما يتناسب وطبيعة ما يقوم به، وهذا يعتبر انعكاس حقيقي للفعل وردود الفعل، وعلى نفس المنوال فإن المسيء سيتعرض للتوبيخ والعقوبة في حال أخل بواجباته الوظيفية عن عمد وإساءة واستهتار، هذه الحالة من الاثابة والعقاب المبنية على أساس التماثل في ردود الفعل مع الأفعال هي رد واضح للمحسن والمسيء على حد سواء وهو من القوانين والشروط الواجب اتباعها في المنظمات لضمان عدم الانجرار إلى هاوية البطالة المقنعة والفساد المالي والإداري وتسلط السراق وقطاع الطرق وتسنمهم مناصبًا مهمة في تلك القطاعات وبمختلف صنوفها.

عندما تخلو المنظمات من هذا المبدأ تصبح بؤرة للظلم والإجحاف، وسيعاني منها جميع الأطراف وسينتهي بهم الطريق إلى فشل ذريع لا يمكنهم النجاة منه، وهذا ما نعانيه في العراق من أزمة في ضعف المؤسسات الإدارية وتفشي الفساد والرشوة والمحسوبية، والنزيه بين فكي تمساح أحدهما ثابت يجبره على السكوت والتزام الصمت، والأخر متحرك كلما قاومه اخذه يمينًا وشمالًا يتنقل به من ضرس إلى آخر حتى يتعبه ومن ثم يستطيع أن يبتلعه.



اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2