التأثيرات السلبية لظاهرة العشائرية في المجتمع العراقي

اعلان 780-90

التأثيرات السلبية لظاهرة العشائرية في المجتمع العراقي

 

ان تقدم أي بلدٍ يعتمد في الدرجة الأولى على أبنائه، وبعد ذلك على المؤثرات الأخرى كالحالة السياسية والاقتصادية للبلد نفسه او للبلدان المجاورة له. تحدد ثقافة أبناء البلد وشهاداتهم الاكاديمية مستوى البلد بشكلً طردي فكلما كان الأبناء مثقفين كان البلد متقدماً والعكس بالعكس، وهذا المعيار هو المعيار الموضوعي لدى الجميع الا في العراق فان جملة من المعايير السياسية والاجتماعية والدينية والمالية تكون مغايرة للواقع بشكل غريب ومثير للريبة.
يتأثر واقع العراق الاجتماعي لا بالثقافة والشهادة الاكاديمية بل بمشكلة أكبر وهي العشائرية، والعشائرية شكل من اشكال الخروج عن المظهر الاجتماعي المدني، وتعكس بالحقيقة صورة المافيا والعصابات المنظمة ولكن بإطار اخر. تحدد العشائر قانوناً تعمل به قابل للتغيير وفق نظام اداري يتبعه شيوخ ووجهاء العشائر في تنظيم عملهم وحل مشكلاتهم. ومن اهم ما يتصف به ما يلي:
1. قانون الدولة ضعيف امام القانون العشائري فهو يغض النظر عن النزاعات العشائرية حال حدوثها ما دامت تحل حسب القانون العشائري. فلو سرق أحدهم بيتاً والقت الشرطة على السارق وتحولت القضية الى العرف العشائري فان الدولة تطلق سراح السارق ودون الاهتمام الى الحق العام او اخذ الضمانات كدولة لها سيادتها. والامر اشبه فيما يكون دولة في داخلها دولة أخرى.
2. القانون العشائري قانون عرفي قابل للتغيير والتحديث ولا توجد اية ضوابط ويعتمد في تركيبته على القوة والعنف واستحصال الأموال وامور أخرى كثيرة وغريبة وعجيبة. ولكونه قانوناً عرفياً فان الحق فيه يضيع والإنسانية كذلك، ويكون فيه الأقوى هو المنتصر، والاقوى يعتمد على موارده المالية والبشرية وتسليحه وكلما قلت المشاعر الإنسانية فانه يقترب من القوة. فلو تنازع اثنان على ارض فان المنتصر منهما من يوقع الضرر الأكبر بالآخر، وهذا الضرر اما ان يكون في الأملاك او في الأرواح.
3. لا علاقة بين الشريعة والقانون العشائري فهو يخالفها في كثير من الاحكام اضافةً الى ذلك فان العرف العشائري يخالف ايضاً كثيراً من الاحكام الشرعية. هنالك عقوبة حسب القانون العشائري ترغم الطرف المعاقب ان يعطي نساء بيته الى الطرف الاخر ويعاملن كخدم ويطلق عليهن اسم (فصلية) وهذا يخالف الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلاً.
4. ان تركيبة العشائر ليست من الغير مثقفين فقط بل على العكس فان المثقفين وحملة الشهادات العليا هم ممن يشجعون على النظام العشائري ويعملون به. نتيجة لذلك فان المجتمع اخذ يتدهور، فالأشخاص اللذين يعتمد عليهم لغرض الإصلاح هم من يخربون باعتمادهم القانون العشائري دون قانون الدولة مما جعل من المجتمع في القرى والارياف أفضل حالاً ممن يعيشون في المدينة، فعندما يلجأ القاضي الى القانون العشائري لحل نزاعاته مع الاخرين ويترك قانون الدولة فالموضوع يصبح خطراً جداً حيث من لا يملك عشيرة قوية فان حقوقه ستضيع لا محال وان اشتكى عند الدولة، فمن يا ترى سيعيد له حقوقه؟ أهو نفس القاضي الذي يعطي لعشيرته هيبة أكبر من هيبة الدولة؟ وهل يستطيع هذا القاضي ان يخالف القانون العشائري إذا ما تضارب وقانون الدولة؟
5. العشائر تهدد الدولة وتفرض قوانينها عليها، ومن حق القارئ ان يستغرب، فالعشائر تفرض قوانينها على الدولة مما يجعل من رجال الدولة يخضعون لقوانينهم وهذا اعطى الوازع لضعاف النفوس في احداث المشاكل ونشر الفساد دون أي رد فعل من الدولة. فالدولة لا تستطيع التوغل في عمق أراض العشيرة او اخذ سلاحهم الثقيل او القاء القبض على بعض رجالها المطلوبين وإذا ما حدث ذلك فان رجال الدولة يعرضون أنفسهم للقانون العشائري وفي حال عدم امتثالهم فانهم يعرضون أنفسهم وأبناء عشائرهم الى الخطر والقتل.
6. تستنزف القوانين العشائرية الكثير من الموارد واهم تلك الموارد هي الموارد البشرية، اذ يقتل في النزاعات العشائرية عشرات الرجال اثناء المواجهات المسلحة وعشرات الأبرياء بسبب العيارات النارية والقذائف واعمال التخريب وغيرها، ولا يكتفي الامر بذلك فهناك ضحايا الثأر وضحايا القتل على الهوية. إضافة الى استنزاف الموارد المالية والطبيعية وموارد الدولة من خلال حرق المزارع او ضرب انابيب النفط او قطع الطرق وإيقاف الشركات عن العمل وغيرها.
ان ما تقدم هو نموذج عن بعض صفات القانون العشائري ، وان اكثر ما اثر على المجتمع العراقي هو خضوع الطبقات المثقفة للقوانين العشائرية وهذا لا يدل الا على ان المثقف والاكاديمي هو بالحقيقة متخلف وجاهل ، اذ انه بمجرد قبوله بما يمليه القانون العشائري وطريقة التفافه على الحق وطريقة استخدامه للقوة لتغيير مسار الواقع واعتماده على العنف والقتل والتدمير كسلاح لفرض الهيبة واستحصال المكاسب ، فان المثقف اصبح مجرداً من ثقافته ، فالثقافة يجب ان ترفع الانسان الى درجة من الرقي والتفكير الإنساني وعدم القبول بسفك دم انسان من اجل بقرة او من اجل كلمات او شتيمة .
الإسلام اعطى للإنسان قيمة كبيرة وعظيمة وفضله على سائر المخلوقات وجعل له كرامة، وجعل حياته وروحه مهمة، قال تعالى ((...مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...)). وعلمنا الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم أهمية الانسان وحجَم العشائرية مؤسساً دولةً مدنية ً تستمد احكامها وتشريعاتها من الإسلام، وهذه هي الدولة الإسلامية. فليس في الإسلام قضاء وقانون للعشيرة بل هناك قانون واحد يحكم الدولة وعلى العشائر ان تخضع له.
في النهاية فان المثقفين يتحملون بشكل كبير سبب تردي الوضع الاجتماعي في العراق بسبب تخليهم عن ثقافتهم واتباع قوانين فاسدة ومفسدة تعتمد طرقاً ملتوية وهمجية، وهم بتخليهم عن دورهم فقد ارتكبوا جريمتين: احداهما انهم شجعوا الخطأ بوقوفهم معه، والأخرى انهم تركوا دورهم التثقيفي متبعين اهواءهم ومصالحهم على حساب المبدأ.

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "التأثيرات السلبية لظاهرة العشائرية في المجتمع العراقي"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2