كم دويلة في دولتنا العراق؟

اعلان 780-90

كم دويلة في دولتنا العراق؟



الدولة، عبارة عن ارض لها حدود، ويسكنها مجموعة من الناس، لديهم علم وقانون وسيادة، ويمتلكون موارد وقوة عسكرية ليدافعوا عن أنفسهم ضد أي اعتداء أجنبي، لكل مواطنيها حقوق وعليهم واجبات، ويترأس هذه الدولة مجموعة من الأشخاص في منظومة تسمى الحكومة، وتختلف صفتها من دولة لأخرى، فكم دويلة في العراق تمتلك هذه المواصفات؟

اولاً: العشائر والقبائل

العشيرة في العراق، هي اول الدويلات داخل الدولة، فشعبها هم أبناء العشيرة، والذين لديهم حقوق وعليهم واجبات، وهم يمتلكون الأرض والحدود الخاصة بهم، ولديهم مواردهم والقوة العسكرية للرد على أي معتدٍ عليهم، ويحتكمون فيما بينهم من خلال قوانينهم العشائرية، اما من يحكمهم فهم الشيوخ، بدءً بالشيخ العام وهو يمثل الملك او الخليفة او رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء.

ثانياً: القومية

القومية في العراق تشمل مجموعة من العشائر، لديهم عاداتهم ولغتهم الخاصة بهم، كما هو الحال عند الاكراد، فهم قومية، والعرب قومية أخرى، ولكن هذه القومية تمتلك ارضاً أكبر ونظاماً وقانوناً أوسع، وتمتلك قوة عسكرية وموارد أفضل من العشيرة، ولهذا فهي دويلة أكبر من العشيرة والقبيلة، وتتمتع بالاستقلالية والهيمنة والنفوذ.

ثالثاً: الأحزاب

وهم مجموعة من الافراد من شتى العشائر والقبائل، لديهم قانونهم الخاص بهم، وافكارهم ومبادئهم التي يسيرون عليها، سواء كانوا احزاباً دينية او غير دينية، فهم سواسية في الهيكل العام، وكل حزب لديه مساحته الخاصة به وارضه التي يدافع عنها، ويرفع عليها علمه، وينشر فيها قواته ومسلحيه، وهم يمتلكون الموارد الخاصة بهم، ولكن بفارق واحد عن العشيرة والقومية، فمواردهم واراضيهم هي جزء من الدولة وهم جزء من حكومة الدولة، ونستطيع ان نقول بان دويلة الأحزاب هي كالورم الذي يخرج من أصل الجسم.

رابعاً: الفقراء والمساكين وبعض المثقفين

وهم من ليس لديهم أي انتماء حقيقي لأي دويلة من الدويلات أعلاه، اذ هم محتاجون الى الدولة كما هي، محتاجون الى العراق وحكومته، وهؤلاء بالطبع هم المغلوب على امرهم، فهم ليسوا بدويلة، اذ لا علم لهم سوى علم العراق، ولا سلاح ولا عساكر سوى جيش العراق، ومواردهم ليست بيدهم، والقانون لا يقوى على حمايتهم، لذلك فدولة العراق هي دويلة ايضاً في داخل هذه المنظومة من الدويلات، ولكنها الدويلة الضعيفة.
دولة العراق مقسمة من غير انقسام، لا نمتلك مقومات الوطنية الحقيقية، نحن بلا سيادة، وبلا قانون، فكل دويلة تتحدى الدولة، العشائر تغلق الطرق وتنصب المفارز، وتستخدم السلاح الحي المتوسط والخفيف، وتحل نزاعاتها حسب قوانينها لا حسب قوانين حكومة دولة العراق، فشرطة العراق وجيشه محتاجون الى الحماية من دويلة العشائر.
نعم نحن بلا سيادة وبلا امان، عندما تستطيع ان تتخلص من بطش دويلة العشائر، تظهر لك دويلة جديدة، خليط من الدويلات، تجدها هي العشائرية والقومية والطائفية، وهي مكون الحكومة العراقية، تأتيها يميناً تجدها شمالاً، لا رأس لها ولا ذيل، قوتها بانها عصابات منظمة، سرطان في جسد العراق، العشائر لها، والمنبر لها ايضاً، ومحطات التلفاز والشرطة والجيش والموانئ والحدود، وحتى كلامنا ونظراتنا هم يمتلكوها، لأنهم يقدمون مصلحتهم على الانسان والوطن والمبادئ والقيم.
ظهر من بين هذه الدويلات من يريد ان يعيش، وهو يشاهد ضعف دولة العراق، ولذلك رمى بنفسه على العشيرة، او مال الى الأحزاب، فهو يريد ان يحصل على عمل، او يريد ان ينال حقاً، او انه مالت عليه جدران الظلم والظلمة، فما من بد الا ان يلجأ الى احدى هذه الدويلات، بعد ان خانته دولة العراق وحكومتها الضعيفة.
اما الاحمق، فانه يميل الى حيث مال الناس، فهو مشجع لعشيرته، او حزبه او قوميته، لا يهمه العراق، متعصب على الجهل، ومدافع عن الخطأ، حمية الجاهلية ملأت قلبه، فلو سببت جميع المقدسات، بل وتسب الله علناً امامه فلن يحرك ساكناً، وتسب العراق وتحرق علمه فهو لن يشعر بالامتعاض، ولكن سب عشيرته او قوميته او مذهبه او حزبه، وانظر ما يصنع، وكيف ينتفض.
العراق منهك بشعبه وأهله، وكل محاولات الانفصال السابقة واللاحقة، هي بسبب اننا لا نشعر بوطنيتنا، ولا بوطننا، ولذلك كانت دوافع الانفصال على الأساس الطائفي تدق طبولها حتى الامس القريب، ومن آثارها داعش، وما خلفته هذه الهجمة الإرهابية في المناطق التي كانت فيها، من تشريد ودمار، وقتل واغتصاب، لأننا فكرنا بدويلاتنا المتناثرة ونسينا دولتنا الام والاصل.
واليوم بوادر جديدة لتفتيت هذا البلد، بسعي القومية الكردية الى الانفصال، واصوات من المنتفعين من خيرات هذا البلد المسكين، تريد ان تزيد من هذا الانشقاق والتقسيم، ونحوله الى دويلات فعلية، لنكون لقمة سائغة بيد كل من هب ودب.

كيف ننهي هذه المسرحية؟

علينا ان نحترم قانون الدولة، وان لا نقوي العشائر والأحزاب على حساب الدولة والوطن، وعلينا ان لا نطيعهم ان كانوا على خطأ، وكذلك علينا ان نحمي الدولة ومؤسساتها، نحميها بالعمل الصحيح، ان لا نترك فراغاً فيها ليسده الفاسد، ان نسعى للمساعدة في تحقيق الحق، وليس من الضروري المواجهة وجلب الأعداء، هناك وسائل أفضل من ان تقف امام الوحوش الكاسرة، فقط علينا ان نعيد لنفسنا وطنيتنا، فلنحاول ان ننظر الى علم العراق وهو يرفرف على الأبنية الحكومية، وقبل ان ندخل اليها، ونلاحظ لونه، ووضعه، هل ما زال جديداً ام غيرته الشمس والاتربة؟ وهل ما زال متماسكاً ام أصبح كالخرقة البالية؟
عندما تشعر بوطنيتك، ستشعر بانتمائك، وستشعر بانك لابد ان تكون جزءً من حكومته، وان تعيد له هيبته، فمهما زاد الظلم والجور فان له يوماً وينتهي، ولكن حين ينتهي لابد ان تكون مستعداً لإكمال المسيرة، وان تحافظ على سلامة العراق وسيادته، وتحقيق سعادة ابنائك.
والحمد لله رب العالمين

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "كم دويلة في دولتنا العراق؟"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2