الحمامة

اعلان 780-90

الحمامة

الحمامة والمسرح

خلف الكواليس وقفت على أحد اسلاك انارة المسرح حمامة رمادية، وكانت تشاهد مسرحية روميو وجولييت، وكلما تكلما عن الحب دارت رأسها يمينا وشمالا، وحركته للأعلى والاسفل، وكأنها ترفض مرة وتقبل اخرى، ولم تنتظر نهاية المسرحية فقد نامت قبل نهاية العرض، ولم تعرف ما آلت اليه قصتهما العاطفية المشوقة.
في اليوم التالي لفتت الموسيقى انتباهها فحطت على احدى الشجيرات قرب خيمة السيرك الكبيرة، كان عرضاً للدببة، لم تفهم الحمامة لماذا يصفق الجمهور كلما قفزت الدببة؟ العرض كان مملاً بالنسبة للحمامة، وكل ما فهمته، كانت الموسيقى الصاخبة، وعادت من جديد الى وضع رأسها تحت جناحها، لتأخذ غفوة أخرى دون ان تكمل مشاهدة باقي حيوانات السيرك وهي تؤدي عروضها.
طارت من جديد، وهي في كل مرة تمل من المشاهدة ولا تشعر بالاستمتاع، وتخلد للنوم، وكان أسرع مكان تنام فيه، عندما تستمع الى المعلم وهو يشرح مادة الكيمياء لطلبته، اذ انها تنام عميقاً ولا تستيقظ الا عندما يقرع جرس انتهاء الدرس.
كانت تحب الاستطلاع، ولا تتوقف عن مشاهدة الأشياء، ولكنها لم تتأثر في أي من الاحداث والعروض، كانت بالنسبة لها وقتاً ضائعاً، وكل شيء اشعرها بالنعاس فقط، كانت الى حدٍ ما حياتها مملة.

الحمامة والحرب

ايقظتها أصوات الانفجارات، وصفارة الإنذار، فتحت عينيها لترى عشرات الطائرات تحلق في السماء، كأنها طائر الرخ من قصة السندباد، والدخان يهرب من النيران الى عنان السماء، دفعها الفضول مرة أخرى لتذهب الى ارض الحدث، احبت ان ترى المشهد عن قرب، طارت نحو أطراف المدينة، حيث المدرسة، وجدتها بلا معلم، وبلا طلاب، كانت قد تحولت الى ثكنة عسكرية.
غادرت سريعاً لان المكان كان ساحة حرب حقيقية، والرصاص ينطلق بعشوائية، ولا يميز بين الأشياء والموجودات، فكرت ان تذهب الى السيرك، ولما وصلت الى هناك، كان كل ما تبقى منه بعض أعمدة الخيمة، وعليها آثار الحريق، ودبين واقفين عند مقصورة مهجورة للغجر الهاربين، وهم ينظرون الى رفاقهم من الدببة وباقي الحيوانات وهم مستلقين على الأرض وبلا حراك.
هلعت من المنظر، حلقت بعيداً نحو المسرح، ووجدت سكان المدينة، اجتمعوا في المسرح، وقد علقوا على النوافذ والابواب والسطوح، رايات بيضاء، وكأنهم يمثلون في مسرحية الحرب والسلام، او الحرب والاستسلام.
رغم لا مبالاتها المستمرة، الا انها لم تستطع النوم في ذلك اليوم، ولا حتى في تلك الليلة، كان صوت بكاء الأطفال والنساء، وصراخ رجالات الدفاع المدني، تؤرق نومها، عينيها ظلت مفتوحة لأيام، لم تتمنى ان تنام كما كانت تفعل من قبل، ولكنها تمنت انها لم تنم عندما كانت الحياة أجمل.

تمني الحمامة العودة بالزمن 

تمنت لروميو وجولييت العودة من جديد، حتى تكمل معهما قصة حبهما الأبدية، تمنت ان يعود الغجر لتستمتع بحركات الحيوانات في السيرك، تمنت ان تكمل درس الكيمياء لتتعرف على الاواصر ومعنى الفلزات واللافلزات، تمنت انها نامت بمقدار حاجتها، وإنها لم تستيقظ على صوت الحرب والموت.
الحياة قصيرة جداً حتى نهمل أجمل تفاصيلها، وجميلة لتستحق ان نعيش أفضل لحظاتها، وطويلة جداً حينما ننظر الى جانبها المظلم والحزين، علينا ان نكون في قمة نشاطنا حتى وان كنا في اسوء حالاتنا، الحياة مستمرة ونحن ايضاً علينا ان نستمر وان لا نكون كالحمامة، لكيلا نندم.
والحمد لله رب العالمين

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2