شعرت بالطيران

اعلان 780-90

شعرت بالطيران


اللقاء الأول

كعادته كان الشاب الخجول الملتزم صاحب الأخلاق الرفيعة، ينظم أغراض الدكان في صبيحة يوم الجمعة، قبيل ساعات الافتتاح المعتادة، ولكنه نسي الباب مفتوحاً عندما أدخل البضائع إلى داخل المخزن، في تلك اللحظة صعد على السلم الحديدي الصغير المتحرك، وهو يحمل بيده علبة ورقية كبيرة، مملوءة بالمعلبات، وهو يدفعها إلى مكانها بانتظام تام، ومن دون أن يصدر أي ضجة، حتى سمع صوت أقدام تقترب منه، ظن أنها وقع أقدام صديقه دخل ليقدم له المساعدة، لكنها كانت تأتي بإيقاع رقيق ومختلف.
أمال رأسه إلى اليمين وهو يمسك الرفوف بيده اليسرى، لينظر إلى صاحب المشية المثالية، ولكن كل ما رآه هو شبح مر عبر الممر الآخر، فقال بصوت عالٍ: “من هناك، من هناك؟”، وهنا كانت ساعة الصفر حيث الانقلاب الكبير، والذي أطاح بعقله وأسقطه أرضاً، عندما ظهرت تلك البنت الجميلة الخجولة وقد احمرّت وجنتها، لأنها عرفت أنها دخلت في غير وقت الافتتاح للدكان، وقفت أمامه قرابة الدقيقة ولم تتكلم، وهو أيضاً أطبق شفتيه بإحكام، والتزم الهدوء، بقيت عيناه تحملق فيها، دون أن ترمش.

ما أطول ليل الانتظار!

خرجت مع بعض الدموع التي زينت وجنتيها الزهريتين، وهي تشعر بالندم لما اقترفت من فعل، وكأن الخجل قد خُلق من أجلها، لقد كان يناسبها جداً، الإحراج قلب شكلها وصورتها رأساً على عقب، وازدادت جمالاً، أو ظهرت بجمال آخر، باتت تلك الليلة وهي تستذكر هذا الموقف، وبين أسنانها كادت شراشف أغطية الوسادات تتقطع، همّت أن تخرج في الصباح الباكر لتذهب عنده وتعتذر، ولكن الليل كان طويلاً جداً.
في نفس الليلة علقت صورة تلك الفتاة في مخيلة الشاب، رغم أنها لم تكن قد أظهرت جسمها بطريقة إغرائية، ولم تكن تضع الكثير من المكياج، إلا أن أولئك الطيبين تكون سيماهم في وجوههم، تشع بالدفء والعاطفة، تشعر أنك تنظر إلى ملاك، أجنحته ترفرف بالخير، نورهم يشدك رغماً عنك، ولا يحس بحبهم إلا من كان قلبه قد تركت فيه الملائكة بعض زغبها المتطاير وهي تنشر المحبة بين العباد.
كواكب المجموعة الشمسية تغرد بطريقتها الخاصة، وهي تتنقل بين الأبراج، وتتسامر في تلك الليلة، وقد جذبت انتباههم دقات قلبين للتو عرفا معنى الإعجاب، كانا يدقان بلحنٍ أحست به الكواكب بالراحة، فدارت في أفلاكها وهي ترقص برويّة، حتى التفتن إلى الشمس وطلبن منها أن تغير موعد الإشراق، يريدون للقصة أن تكتمل من حيث تبدأ.

حديث في أول درب الحب

مع ارتباك وبعض التردد، ارتديا ملابسهما وتوجها إلى الدكان، لكن الشاب كان قد وصل قبيل الفتاة، فتح باب الدكان، ولكنه خرج إلى الطرف المقابل للشارع، وقف تحت أشعة الشمس، لا يعلم لماذا ولكن هكذا أخبره قلبه، وقد اتكأ على عمود الكهرباء، ونظره متوجه إلى باب الدكان.
داعب أنفه عطر عبق، تسارعت معه دقات قلبه، كان يأتي من شماله، التفت بحذر ليعرف المصدر، فإذا بها تلك الفتاة تقف عند الجانب الآخر من العمود، وتراقب الدكان وهي تتمتم “ربي ألهمني الشجاعة”، ولكن الشجاعة كانت من نصيب الشاب، الذي قاده الإعجاب إلى درب الحب، وجعله الحب ينطق، وجعلها تشعر بالطيران.

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2