من هو رومل يا أبي؟

اعلان 780-90

من هو رومل يا أبي؟


من هو رومل؟

القائد الألماني روميل الملقب بثعلب الصحراء

سعيد ولدٌ شاطر عمره عشرة أعوام، وهو يحب الاستماع إلى القصص والمعلومات وخاصة من كبار السن، يرى فيها حساً ليس كما يراه ويسمع عنه في التلفاز، وكان يحب أن يتردد إلى بيت صديقه سؤدد، حيث كان جده ما زال على قيد الحياة وبصحة جيدة، وكان يحب أن يجلس أحفاده وأصدقاءهم ليسرد لهم قصصاً متنوعة منها الحقيقية ومنها الخيالية وأحياناً يحكي لهم قصصاً من الواقع، في إحدى الليالي وبعد عودته من منزل صديقه سؤدد توجه إلى أبيه، وكان جالساً يشاهد إحدى المسلسلات التلفزيونية، ولكنه لم يكن مندمجاً معها، فتوجه سعيد بالسؤال:
سعيد: أبي من هو رومل؟
الأب: أين سمعت هذا الاسم؟
سعيد: لقد كنت عند جد سؤدد وقد أخرج مجموعة من الصور القديمة، وأشار إلى أحدهم وكان يلبس زياً لونه أسود، وقال بأن هذا جده كان يقاتل أعداء الوطن قبل ما يزيد عن التسعين عاماً، وكان هناك مجموعة أخرى قد اجتمعت حول شخص وقف في وسطهم، لما سألته عنه قال أنه رومل، ولكني استحييت أن أسأله عنه لأننا تأخرنا عنده لوقت طويل، وكان بحاجة إلى الراحة.
الأب: رومل قائد عسكري ألماني، كان يلقب بثعلب الصحراء، ولكن هذا القائد مات قبل قرن ونصف القرن يا ولدي، لعلك لم تسمع جد سؤدد بشكل صحيح، أو توهمت الصورة، فكانت لهذا القائد النازي وأنت لم تتعرف عليه، سأريك صورة رومل، تعال إلى جانبي وأعطني جهازي اللوحي.

وبدأ أبو سعيد بقراءة سيرة رومل على مسامع ابنه، ولماذا سمي بثعلب الصحراء، وهو يريه بعض الأفلام الوثائقية عن الحرب العالمية الثانية، وكان يلاحظ الاختلاف بين صورة رومل الحقيقية مع تلك التي رءاها عند جد سؤدد، وكذلك في نوع الملابس والسلاح، وهذا جعل من سعيد يفكر طوال الليل في هذا الموضوع، ويتكهن عدة أسباب، ولم يطق صبراً حتى توجه عند الصباح الباكر إلى بيت صديقه، وطرق الباب ودخل مباشرةً إلى جد سؤدد ليسأله من هو رومل الذي في الصورة، لأنه لا يشبه رومل الحقيقي، فلماذا هناك اختلاف بينهما؟

الرومل العراقي (الفريق الركن عبد الوهاب)

ضحك الجد قليلاً ثم أمسك سعيد واحتضنه، وأخذه إلى مكتبته، وأخرج له مجموعة من الألبومات، وبعض أقراص التخزين الصغيرة، وربطها على جهاز التلفاز، ليريه لقطات من المعارك وبعض اللقاءات المتلفزة والأغاني الحماسية المصورة، وقد ظهر فيها نفس الشخص الذي كان يتحدث عنه، وبعد أن استعرض أغلب المقاطع النادرة، ربت على كتفه، وقال له: استمع لهذا اللقاء.. كان المذيع يسأل ذلك الشخص “دولياً أطلق عليك لقب رومل العراق، شنو رأيك بهذا اللقب؟”، فأجابه بكل ثقة بأن هذه الألقاب لا تعني له شيء، وأنه يفتخر بكونه مقاتل وقائد عراقي وكان هذا بالنسبة له أفضل من كل الألقاب.
وبعدها التفت إليه وقال له: إنه الفريق الركن عبد الوهاب، كان قائداً فيما يسمى بجهاز مكافحة الإرهاب، وقد شارك في تحرير الأراضي العراقية من احتلال بعض الجماعات التكفيرية مع جملة من القوات العسكرية من قبيل الشرطة الاتحادية والجيش والحشد الشعبي وغيرها، فقاطعه سعيد فجأة وقال له: “تقصد انه كان يقاتل ميليشيات إيران التي احتلت العراق؟ أليس كذلك؟! هذا ما يدرسونه لنا في التاريخ، وما أشاهده في البرامج التلفزيونية والأفلام والمسلسلات الدرامية، حتى أني أذكر أنه كان هناك قناص يقاتل مع هذه الميليشيات المجرمة، اسمه حسين أو أبا حسين أو شيء من هذا القبيل، لا أذكر بالضبط، ويقولون بأنهم كانوا يقتلون ويسرقون الناس ويعاملونهم بازدراء ووحشية، ولكني لم أسمع بهذا الرجل من قبل، ولم أسمع بهذه القوات”.

سياسات تغيّب الأعمال البطولية والإيجابية وتركز على الأعمال السلبية  

نزع الجد نظارته ومسح دموعه، وقال له: صدقت لم يوثق أحد هؤلاء الأبطال حتى أصبحوا قتلة، ولم يذكروا أنهم بذلوا أنفسهم في سبيل تحرير الأرض، لقد كانوا يا بني عراقيين، ولكن الناس انشغلوا عنهم، حتى اندثر ذكرهم، وعلا صوت الأعداء ليتمكنوا من كتابة التاريخ كما يرونه مناسباً لهم، ليغطي على مؤامراتهم ضد العراق وشعبه، فألفوا الكتب وصوروا الأفلام والمسلسلات والبرامج وكان هناك من يتقبل الثمن. رجع سعيد إلى أبيه وأخبره كل ما سمعه من جد سؤدد، وبعد دقائق من الصمت، اتصل أبو سعيد بعمته (أم زوجته) وطلب منها أن ترسل تلك الصورة القديمة لجدتها عندما كانت صغيرة في زمن الحرب والتي كانت فيها تجلس بين ذراعي شخص يحمل رتبة عسكرية ويرتدي زياً بلونٍ أسود، وما إن وصلت الصورة عرضها على ابنه، وسأله إن كان يعرف من يحمل جدته عندما كانت صغيرة، فنظر سعيد في الصورة ورفع رأسه، وقال إنه نفسه رومل العراق يا أبي! ألم تكونوا تعرفونه من قبل؟!
ركزنا على السلبيات وتركنا الإيجابيات، فرحلت جميع الحسنات وتبخرت مع حرارة الكره الدفين والحقد المستعر في قلوبنا، لتبقى تلك التصرفات الشاذة هي ما يُطبخ ليُقدم إلى عقول الأجيال، وجبة مسمومة ومحشوة بالأباطيل والكذب والافتراء، تعلمهم أن البغض هو أساس الحكم والتفكير، وأن غض النظر عن الجميل هو تصرف محمود ولا غبار عليه، لذلك لم يتبق من تاريخنا سوى السيئات.

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2