حروب الوكالة: العراق ذاهبة بخطى حثيثة إلى الغليان

اعلان 780-90

حروب الوكالة: العراق ذاهبة بخطى حثيثة إلى الغليان



على مر الازمان والعصور كانت الإنسانية تتصارع على نيل المكاسب والثروات لإشباع رغباتها وطموحاتها، لهذا نجد في التاريخ الكثير من الأمم والقوميات والشعوب تحولت الى امبراطوريات توسعت واستعمرت وابتلعت غيرها من الأمم الأضعف منها قوة، وكانت تسيطر على إرادة تلك الشعوب المهزومة اما بالحرب والاقتتال، او بالتسوية السياسية واستخدام الضغوطات والتخويف والترغيب معاً لصناعة قيادات عميلة تبحث عن بقائها في السلطة على حساب شعوبها التي تدفع ما عليها من اتاوات الى تلك القوى المستعمرة.

ولكن كما يقال فان دوام الحال من المحال، ولابد للإمبراطوريات من الضعف والتشتت وفقدان السيطرة، ولابد من وجدود قوى أخرى تترصد الساعة المناسبة للانقضاض عليها وازاحتها عن كرسي المجد والتسلط على العالم الإنساني، ولكن سياسات العالم الحديثة اختلفت بعض الشيء عما كانت عليه سابقاً، فبعد حماقات الدول العظمى في الحرب العالمية الأولى، وبعد انتهاء سلطة وسيطرة الدولة العثمانية على العالم العربي، وجدت الدول الأخرى والتي اعادت لنفسها كرسي التسلط على العالم من خلال تقسيمه الى حصص وزعوها فيما بينهم، لتعود الى الواجهة بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا، لتحتل الدول وتفرض ارادتها عليهم، ولكن هذا لم يعني ان الاطماع ستتوقف عند حد ما، حتى أعلنت الحرب العالمية الثانية انطلاق وحش جديد يرغب في التربع على كرسي التسلط العالمي.

انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة دول المحور، وانطفت انوار مراكبهم التي ابتلعتها حمم الموت والدمار، ليستيقظ العالم على خبر بزوغ امبراطوريتين جديدتين على الساحة العالمية، الاتحاد السوفيتي شرقاً، والولايات المتحدة الامريكية غرباً، محور يمثل الاشتراكية، والأخر يمثل الرأسمالية، ومن ساعتها بدأت الحرب الباردة بينهما، وبين انصارهما، حاولتا التوسع العسكري، ولكنهما هزمتا شر هزيمة، فكانت أفغانستان مقبرة للجيش الأحمر، وكانت فيتنام جحيماً للمارينز، وكلاهما دعما من تحت الطاولة أعداء بعضهما البعض، ولكن أمريكا ومن خلال اقتصادها الكبير، استطاعت ان تحجم من إمكانيات الاتحاد السوفيتي ومن ثم اسقاطه من دون تدخل عسكري، واعتمدت التلاعب بشخصية رئيسه آنذاك غورباتشوف، لتجلس أمريكا وحيدة تهيمن على العالم.

فشلها في خوض الحرب في فيتنام، جعلها تعيد التفكير في صناعة الحروب بالوكالة، وانتهاز الفرصة بعد الضعف بالدخول الى تلك الدول بصفة المحرر لا المحتل، ومن ضمن سيناريو أمريكا في التحكم بالعالم هو صناعة العصابات التكفيرية، ولا مكان لها أفضل من أفغانستان، لتصنع من بعبع تنظيم القاعدة قاعدة للنيل من العالم، ولكنه بقي على دكة الاحتياط خلال نهايات القرن المنصرم، وادخلت العالم في حروب هنا وهناك، فلم تسلم من حروبها اسيا او افريقيا او اوروبا او أمريكا اللاتينية، حتى وصلت الى مرحلة الحاجة الى عذر شرعي عالمي يتيح لها فرصة التربع في الشرق وبناء قواعدها واخذ موقع متقدم للدفاع عن نفسها اذا ما جاءت مرحلة الانتقام ومحاولة الدول الأخرى مواجهتها عسكرياً، فكان للعراق الحصة الأكبر من هذه الخطة، ليصنع نظام البعث المهزوم حماقته في دخول الكويت وإعطاء الضوء الأخضر لأمريكا بالدخول الى شبه الجزيرة العربية، والسيطرة على الأرض والبحر والسماء، علناً ونهاراً جهاراً، وبعد اكثر من عشرة سنوات، دخلت العراق لتجد نفسها امام منافسين جدد، يحاولون تقويض عملياتها في التوسع، لنقع بين فكي جبهتين تحاولان السيطرة على العالم، ولكن هذه المرة أعداء أمريكا اكثر، فروسيا والصين وكوريا وذراعهم ايران لم يعودوا تلك القوى الساكنة، بل انهم ظهروا بشكل واضح معلنين وقوفهم امام أمريكا وسياساتها، ورغم ان السياسة عبارة عن ممارسة للدعارة، الا ان المطامع لا تبقي صديقاً ولا حليفاً، وهذا حال سوريا وليبيا واليمن ايضاً، وحال باقي الدول الأخرى اذا ما اقتضت المصلحة بإدخالها في هذه الدوامة.

وخلف كل هؤلاء الأعداء الظاهرين هناك أعداء لأمريكا يخفون اضغانهم وتجبرها عليهم ومسكهم من جراحاتهم، واذلالهم ليكونوا كما يريدون وهم يتنازلون عن قيمهم واعرافهم ومبادئهم في سبيل عدم مواجهة غضب أمريكا عليهم، كل هؤلاء الأعداء وتضارب المصالح العالمية جعل الامر يزداد سخونة يوماً بعد يوم، وابواق الحرب العالمية الجديدة على الأبواب بانتظار ساعة الغليان التي ستذل الأعزاء وتعز الاذلاء، ليعاد كتابة التاريخ بأقلام الدول المنتصرة.

ودول العالم العربي بشكل عام، والعراق بشكل خاص، سيكون ممراً لجميع هذه المواجهات كما كان سابقاً في مواجهات الماضي البعيد والقريب، فمن لم يقتحم ارض العراق؟ هولاكو، الخروف الأبيض والأسود، السلاجقة، البويهيون، المماليك، الصفيون، العثمانيون، الالمان، الإنكليز، الامريكان؟! كلهم داسوا ارض العراق بين فاتح ومحتل، ولكنهم رحلوا ولم يكتب لهم البقاء، والامريكان على أبواب الهزيمة، لان هذه هي سنة الحياة، لن تبقى أمريكا عظيمة الى الابد، ولابد لسياستها ان تخطو نحو الوادي السحيق.

العرب والعراقيون امام فتنة جديدة وعليهم ان يخوضوها بتعقل أكبر، لأنهم في كل مرة يسقطون في شر تلك الفتن، وبعدها يتندمون لأنهم لم يتريثوا في اندفاعهم العاطفي الاعمى نحو هاوية التفرقة والاقتتال والتمييز، واليوم هم قد ابتلعوا الطعم، فلم يعد لخلافات الطائفية بين السنة والشيعة حاجة كبيرة في هذه المرحلة، وانما الحاجة الى تمييز الصفوف من مع إيران ومن مع أمريكا، فلم يعد الشارع العراقي كما كان، فليس كل الشيعة يوالون ايران وحلفائها، ولا كل السنة يوالون أمريكا وحلفائها، ناهيك عن وجود عنصر متمرد على الساحة وهم الاتراك، وهؤلاء ايضاً لهم مآرب في توسعة نفوذهم في العالم، فهم كالبهلوان، يقفز ويرقص على الحبال، وهو ما يفعله الاكراد ايضاً، فلا جهة واضحة ينتمي اليها، ولا جبهة مستقرة يقاتل فيها، ولهذا فان الدول المتنازعة وضعت لمساتها السابقة للحرب الكبرى وجهزت المناخ المناسب في المناطق الجغرافية التي ستشهد فيها المعارك، ولم نعد نتحمل ان نكون قطعاً من الشطرنج يحركوننا، ومخالفة ذلك تحتاج الى وعي في طريقة تعاملنا مع مجريات الاحداث، حتى لا نقاتل بعضنا نيابةً عن الاخرين، ولا نترك انفسنا مجهولي المصير، نحن نحتاج الى بعد النظر وقوة التركيز والتمييز، وعلينا ان نبحث عن مصالحنا للبقاء كما يفعل الاخرون.

حروب الوكالة: العراق ذاهبة بخطى حثيثة إلى الغليان / عربي 22

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "حروب الوكالة: العراق ذاهبة بخطى حثيثة إلى الغليان"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2