الرجل العجوز والسمكة الذهبية

اعلان 780-90

الرجل العجوز والسمكة الذهبية


في الخامس عشر من شهر آب من العام المنصرم، اتصل بي أحد الأصدقاء عند ساعات الليل الأخيرة وطلب مني مساعدته في إصلاح عطل تقني في احدى السفن الكبيرة والمتوقفة في عمق البحر، حيث كان حينها مصاباً بالحمى ولا يستطيع أن يخرج للعمل، ولكونه صديق عزيز عليّ، وافقت على ذلك. (الرجل العجوز والسمكة الذهبية).

قصتي عند ذهابي للميناء لإصلاح السفينة

اعطاني كامل التفاصيل والعنوان وأرقام هواتف الطاقم النقالة، وعند الصباح توجهت الى الميناء، ووجدت ان الزورق المعد لنقلي لم يأتي وطلبوا من احدى سفن الصيد ان تأخذني الى سفينة الشحن العاطلة، فصعدت في سفينة الصيد، وكانت من الطراز القديم، وتفوح منها رائحة السمك ودخان المحرك، فجلست في مؤخرة السفينة في الهواء الطلق، واشعة الشمس اللاهبة تصب حممها على جسمي، وهواء البحر كزفير تنين غاضب.

الرجل العجوز الذي كان جالساً في آخر السفينة

كان في الجهة المقابلة لي رجل عجوز، قد شد رأسه بقطعة قماش كالعمامة، ووضع أحد أطرافها في فمه، وكانت تجاعيد وجهه كالأرض الجافة، وتشققاته بارزة، وكانت لحيته طويلة وعثة وبيضاء مصفرة من أطرافها، كان يجلس على كرسي هو الاخر قديم، لم يتكلم مع أي أحد في السفينة ولا حتى معي، ولكنه كان يمسك بحبل الشباك وينظر بعين واحدة، ولونه من شدة الحرارة كان كالنحاس والبرونز، يصفر تارة ويحمر أخرى.

ما هو سبب خيبة أمل الرجل العجوز؟

وبينما انا جالس انتظر وصولي الى وجهتي، تحرك الحبل بيد الرجل العجوز، فاذا به يقوم من مقامه بسرعة، واخذ يجذب اليه الشباك، ولكنه وبسبب الاعياء وقلة شرب الماء والبقاء تحت اشعة الشمس فترة طويلة، كان يترنح كالسكارى، حتى امسك بمرسى السفينة وتوكأ عليه وأكمل سحب الشباك، وكان الشغف والترقب بائنين على محياه، الا انه فقدهما عندما نظر ملياً الى السمك، وكأنه كان ينتظر شيئاً اخر، وترك الحبل للبحارة ليكملوا جمع الأسماك.

ماذا اصطاد الرجل العجوز؟

تكررت هذه الحالة مرات عدة، وفي اليوم التالي وعند عودتي بعد إصلاحي لعطل سفينة الشحن الكبيرة، كان الرجل العجوز في نفس مكانه وعلى نفس تصرفاته، وفي احدى محاولاته في سحب شباك الصيد، تجمد قليلاً وتوقف عن الحركة وفي عينيه لمعة غريبة، وعلامات الذهول بانت عليه، ثم ما لبث حتى اكمل بكل قوته جلب الشباك الى احضانه، والقى بنفسه على سمكة.

ما هي قصة السمكة الذهبية التي اصطادها؟

ما ان حملها حتى لمعت بين يديه وكأنها تمثال من الذهب ومرصع بالفضة والياقوت، كانت سمكة جميلة جداً، لم ارَ مثلها من قبل قط، وكنت اظن انها غالية الثمن وانه سيربح من بيعها اموالاً اكثر، الا انه كان يتصرف معها بغرابة، اذ احتضنها وقبلها ومن ثم تمتم في اذنها كلمات، وبعدها توجه بها الى حافة السفينة ليلقي بها في البحر، ودموع عينيه تسيل على لحيته وبان عليه الانكسار، وذهب بعدها الى حجرة صغيرة ونام هناك دون ان يتحدث او يصدر أي صوت.

هل يُعقل أنّ تلك السمكة تنقذ الغرقى!

استغربت كثيراً من تصرفاته، وظننت بانه مجنون، ولكن أحد الصيادين في السفينة لاحظ ذهولي واستغرابي، فأخبرني بقصته “لقد أخبره أحد السكان الأصليين بان السمكة الذهبية هي حورية البحر، وهي من ينقذ الغرقى الصالحين”، ثم وبعد السؤال والتقصي علمت بانه قد فقد ابنه الوحيد منذ زمن بعيد، وهو يجوب السفن بحثاً عن هذه السمكة الذهبية ليخبرها ان تنقذ ابنه من الغرق لأنه كان ولداً صالحاً، وفي ذلك اليوم تحققت امنيته، وهو ينتظر من تلك الحورية فعل المعجزة وإعادة ابنه له.

لا تستغرب ان رأيت أحدهم قد تعلق امله في سمكة او شخص او قطعة قماش، لأنه في لحظة من لحظات فقدانه لأعزاءه سيشعر بالهزيمة والانكسار والحرمان، وسيتعلق بأي قشة لتطفو به في بحر الاحزان، هو لا يحتاج الانتقاد، بل يحتاج الرحمة والدعاء.


اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على " الرجل العجوز والسمكة الذهبية"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2