الفطرة.. الذاكرة الأساسية الباقية مهما حاولوا تشويهها

اعلان 780-90

الفطرة.. الذاكرة الأساسية الباقية مهما حاولوا تشويهها


لا أحد منا ينتبه احياناً الى بعض التفاصيل البسيطة في حياته اليومية، والبعض يظن ان الانسان هو وليد اللحظة والتجربة التي يعيشها فقط، الا ان هناك أمور تحصل لجميع البشر على حدٍ سواء، ولا تميز بين ابيض واسود او عربي وأعجمي او صاحب حضارة عريقة او بلا حضارة، كلهم يتفقون على بعض الأمور دون ارادتهم، وكأنما هناك شيء خفي في عالم الحواس غير الملموس يجتمع عليه جميع البشر كما هم عليه في بنيتهم الجسمية، فكل البشر يمتلكون نفس الأعضاء والتي تعمل بنفس الالية.

من بين الأمور التي لم نلاحظها او ننتبه لها هي الموسيقى، ما ان تسمع صوت الموسيقى حتى تستطيع فهم المغزى منها، فمثلاً موسيقى الاعراس والافراح تختلف عن موسيقى الحماس والحرب وتختلف عن موسيقى الحزن وتختلف عن الموسيقى الهادئة، ولكن السؤال هو كيف ميزنا هذه الموسيقى من ذاتنا دون تدخل أحد؟ بل لماذا نتحرك ونرقص مع الموسيقى الصاخبة ولا نفعل ذلك مع الموسيقى الحزينة؟

والامر الآخر الذي لا ينتبه له الكثيرين منا هو كيف نميز بين الحيوانات الضارة او المخيفة او التي نشعر باتجاهها بالخطر؟ وخاصة الحشرات التي بعضها يشعرنا بالتقزز والأخرى تشعرنا بعدم الراحة، وكذلك بعض الحيوانات كالأفعى والعقرب والأسد نشعر باتجاهها بالخوف بسبب حركتها وشكلها، بينما نميل الى محاولة التقرب من الطيور الجميلة ذات الألوان الزاهية ولا نخاف منها، فكيف استطعنا ان نميز ذلك؟

هذين المثالين يحدثان بشكل تلقائي للإنسان ومن غير تعلم مسبق من أحد، فتمييزه للموسيقى وتأثيرها عليه بالحزن او السعادة لا يعرفها من خلال ابويه او مجتمعه او المدرسة، بل هو يشعر بها من ضمن تركيبته الحسية، وهذا الإحساس لم يأتي من فراغ، بل جاء من ذاكرة ثابتة مطبوعة في دماغ الانسان لا تمحى منه تعطيه اساسيات الحياة، وهذه الذاكرة هي اول ما يعمل عند الانسان ومنذ ولادته ورؤيته النور واخذه النفس الأول خارج رحم امه، فهو سيبكي ان تألم او جاع او شعر بالخوف، سيشعر بالاطمئنان في أحضان امه وان قست عليه، بينما سيتجنب غيرها ان قسو عليه او عنفوه، هذه الأفعال التي يقوم بها هي من نتائج تلك الذاكرة الأساسية والتي زرعها الله في الانسان والتي اسماها في كتابه الكريم (الفطرة).

هناك من يتلاعب بإعدادات هذه الذاكرة، نعم وهناك من يخربها ويتلفها، وهذا يجعلك تلاحظ ان الحيوانات المقززة والكريهة والتي تتكاثر في أماكن قذرة يهواها الاخرون بل ويأكلونها، بينما هو نفسه لو قدمت له قدحين احدهما فيه ماء صافٍ والأخر فيه ماء آسٍ فهو سيختار الصافي والعذب والذي بلا رائحة على الآسن والعفن، بل لو انك قدمت له زجاجة عطر مصنوعة من المسك والعنبر وأخرى فيها عطر مصنوع من العفن والمياه الضحلة وماء المجاري والاوساخ، فانه بشكل طبيعي سيميل الى العطر الجميل ويترك الاخر، وهذه هي الفطرة الطبيعية في التمييز بين الأشياء، بين القبيح والحسن، وبين الطيبات والخبائث، ولكن رغم ذلك هناك من هو مصر على التلاعب بهذه الفطرة السليمة واتلافها.

ارجع الى أولئك الناس الذين يتعرضون للجلطات الدماغية وتسبب لهم فقدان الاهلية العقلية والفكرية، او الذين يصابون بالخرف او الزهايمر، وكذلك من لديهم اختلال في الدماغ والمجانين، فانهم مع تقدم حالاتهم المرضية سيرجعون الى اعدادات فطرتهم التي هم مجبولون عليها، ورغم انهم نسوا كل شيء حتى النطق الا انهم يعرفون كيف يعبرون عن خوفهم وجوعهم والمهم من خلال الصراخ والبكاء، ويعبرون عن الفرح بالقفز والابتسام والضحك.

احدى اهم النعم التي وهبها الله لنا هي نعمة الفطرة السليمة، وعلينا ان نشكر الله عليها وان نحافظ عليها سليمة لنستطيع من خلالها الوقوف على الحق وتمييزه عن الباطل، ورؤية الصحيح من الخاطئ، والابتعاد عما يسبب لنا المشاكل، لنبحث عن هذه الفطرة ولنطلق لها العنان ولا نجعلها مقيدة بأغلال المجتمع الشاذة واراء الناس الباطلة ولا نخضعها لأفكار التكفير والقسوة والعنف.

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "الفطرة.. الذاكرة الأساسية الباقية مهما حاولوا تشويهها"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2