ليس مقتصرًا على الدين.. الفكر المتشدد يجتاح مناحي الحياة

اعلان 780-90

ليس مقتصرًا على الدين.. الفكر المتشدد يجتاح مناحي الحياة



لا ينحصر الفكر المتشدد والمتعصب على مساحة وحيز الدين فقط، وهو ما يتبادر الى اذهان الأغلبية عند سماعهم بالتيارات المتشددة، فطبيعة الانسان تجعله لا يستطيع الانصياع الى أي فكرة بسهولة، وبمجرد ان يرى فكرة أخرى مقنعة فانه يتحول اليها وينصاع لها دون قيد او شرط، وهذا ما يجلب المشاكل في اغلب الأحيان، لان ترك فكرة ما سواء كانت دينية او اجتماعية او علمية او عرفية يسبب عند أصحاب الفكرة ردة فعل سيئة، تجعلهم يتعاملون مع المنشق عنهم معاملة العدو، بل ويحاربون أفكاره الجديدة ويبحثون عما يضعفها، ومن هنا تتولد الفكرة المتشددة والمتعصبة، وهي ايضاً ستجد طريقها لدى المنشقين كردود فعل طبيعية ليصبح في كلتا الضفتين تيار متشدد اعمى يبحث عن المجد والخلود  لأفكاره بالقوة والتحايل والبغضاء، وتضيع فيما بينهما التيارات المعتدلة والتي تبحث عن المجد والخلود بالتوازن والاقناع والحب.

التشدد داخل المجتمع

في داخل الاسرة، تجد هناك الاب او الام او أي فرد من افراد العائلة، يفرض أفكاره وميوله على الجميع، ويبطش فيمن يحاول مخالفته، وينكل بهم، ويتضح ذلك في تقليل شأن المرأة واهانتها، وجعلها كالسلعة تباع وتشترى بلا قيمة، ومن يعيش داخل هذه الأجواء المشحونة بالكره والتمييز الاعمى ويحاول ان يتحرر منها، فانه سيجد نفسه امام صعاب كثيرة والسن طويلة وسيلاحقونه بالأذى والشتيمة أينما حل وارتحل.

ولعل أبرز الأفكار المتشددة لدى العشائر العربية بشكل عام، هي طلب الثأر بصورة لا تمت بالإسلام بصلة، بل وتخالف جميع التعاليم الدينية والنصوص القرآنية الواضحة والصريحة، فاحترام النفس البشرية وعدم سفك دمها غير موجود في قاموس الأفكار العشائرية الانتقامية، وان كانت تتمحور حول دجاجة او بقرة او قطعة من القماش، لأنهم ينقلون المواضيع الى مساحات أكبر ليخوضوا فيها معاركهم الثأرية، فالكرامة هي بسمار جحا بالنسبة لهم، ناهيك عما يفعلونه في مناسباتهم المفرحة والحزينة، من اطلاقٍ للنار بكثافة ليقتلوا بعدها عشرات الأبرياء او يصوبونهم او يعوقونهم، ورغم جميع التوجيهات بهذا الخصوص فان أفكارهم تمنعهم من ترك هذه الأفعال السيئة، بل ويزدادون شراسة كلما سنحت لهم الفرصة وغابت قوة الامن والقانون.

التشدد في العلم

لم يقف التشدد عند الجهلة من الناس، بل تعدى الى أصحاب الأفكار والعقول الكبيرة، والذين وضعوا نظريات وأفكار علمية لتعزز تلك العلوم والاختصاصات، الا ان هذه النظريات توجهت بأصحابها الى خلق فجوة وعداء بينهم وبين المعارضين لها من أصحاب النظريات الأخرى، ومن أوضح الأمثلة هو ما فعلته نظريات العالم الألماني كارل ماركس، والتي تسببت في نشوء العداء المستمر بين طرفي العالم الحديث، العداء الذي نشأ من أفكار اقتصادية واطروحات سياسية، تخالف ما يصبوا اليه الطرف الاخر، ومن هنا ظهرت في كلتا المدرستين خلال قرن من الزمن التشنجات والتشدد والمحاربة الواضحة لبعضهم البعض، بل وهناك عداء بين بعض العلماء ومشادات كلامية واتهامات وصلت حد الانتقاص من الاخر، فالتشدد سلوك متطرف لا علاقة له بالعلم او الجهل، بل يستمد قوته من عدم التعقل والهدوء والاتزان.

التشدد في الرياضة

ومن أكثر الأمور غرابة حصول مشاجرات تصل الى القتل بسبب خلاف وتصادم بين مشجعي فريقي كرة قدم، والذين لا يحصلون على شيء في مقابل هذه العصبية والتي تصل الى التخريب والعنف المفرط، ولعلك تستغرب اكثر عندما يكون مشجعي هذه الفرق ليسوا من نفس المنطقة او المدينة او الدولة او القارة، فهم يحاولون الدفاع المستميت عن أسماء لاعبي فرقهم الذين يشجعونها، وان هذا الفكر المتشدد والذي يستوجب اخراج سلاح قاتل وطعن من ينتقد لاعب بسبب سوء أدائه او غير ذلك، هو ليس اقل خطراً عن باقي الأفكار المتشددة، فليست كل الأفكار المتعصبة تنبع عن الدين، بل ان التشدد الديني هو ثمرة من ثمار التشوه في طريقة تدبر الأمور، اجتماعياً او علمياً او رياضياً، وهذه الأمثلة هي مختصرة لتوضح ان الانسان بمقدوره الاتزان وترك التشدد، ولكنه ليحقق ذلك عليه ترك الاعتماد على السلبيات وزراعتها لتنمو بالكره، وتثمر غلاً لا يغني صاحبه ولا ينفعه.

من ينبذ العنف والتشدد الديني وما نتج عنه من تحولات الى جماعات إرهابية تستهدف الناس لمجرد خلافهم معهم في الفكر والمنطق والتوجهات، عليه ايضاً ان ينبذ باقي أوجه العنف والتشدد في أفكاره المعارضة لغيره، لكيلا يكون ارهابياً بالكلمة الجارحة، فما وصلت اليه جماعات المتشددين من تفجير وذبح وترويع للآخرين، كانت بداياتها كلمات تحولت تدريجياً الى شحنات تجمعت لتنفجر ارهاباً يأكل الأخضر واليابس.

على الجميع مسؤولية الحد من دفع العقول الى حمل الضغائن بسبب الخلافات، وتحمل مسؤولية عدم إنجاب أفكار إرهابية تؤسس لمشاريع قتل وتدمير، عارض وخالف لكن بما يؤمن عدم الانجرار الى العنف، فليس من العقل وضع صورة شخص يعتبره البعض رمزاً في كاريكاتير ساخر، وتركيب الصور بما يسيء الى الاخرين ومقدساتهم أياً كانوا، والكف عن البحث عن الخلافات وبثها دون التحدث بإنصاف، لنتحلى بالنبل قدر الإمكان، حاول فقط وقبل ان تنشر خبراً او تطرح رأيك، ان تتصور ابنائك في المستقبل، لا تصنع من تراثك سماً يقتلهم فيما بعد، لا تتركهم ينجرفوا الى وادٍ سحيق، لا تفقأ اعينهم وتدفعهم الى فوهة بركان، اترك لهم ارثاً يبقيهم في الوسطية ومنهاج يعلمهم التروي والهدوء وعدم التسرع.

ليس مقتصرًا على الدين.. الفكر المتشدد يجتاح مناحي الحياة / عربي 22

اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد

مواضيع ذات صلة

فتح التعليقات
إغلاق التعليقات

0 الرد على "ليس مقتصرًا على الدين.. الفكر المتشدد يجتاح مناحي الحياة"

إرسال تعليق

اعلان اعلى المواضيع

اعلان وسط المواضيع 1

اعلان وسط المواضيع 2